لغتنا الجميلة…تستغيث
(إستعرت هذا العنوان من موضوع حديث كان على موقع “إسلام أون لاين ” فى عام 2006 أجرته لمياء ياسين مع محمد الصاوى – صاحب الساقية المعروفة)
فى مؤتمر أقيم بالمنامة – عاصمة البحرين- بمناسبة الإحتفال بثورة 23 يوليو، دُعى الدكتور سليم العوا لإلقاء المحاضرة الرئيسية . شاهدت تسجيلاً بالأمس لهذا الإحتفال فى قناة الجزيرة مباشر.
أنا شخصياً من أشد المعجبين بسليم العوا ، وأعتبره من أهم الشخصيات العامة فى مصر وأكثرها إحتراماً – الرجل مثقف موسوعى الثقافة و المعرفة، يمثل الإتجاه الإسلامى الواعى ، ، ضليع فى علوم الفقه و التشريع والفقه المقارن، ذو نشاط كبير فى المحافل الثقافية والسياسية وحقوق الإنسان، وله مؤلفات عديدة قيمة ، وتجمعه مع فهمى هويدى وطارق البشرى و إلى حد ما عبد الوهاب المسيرى – رحمه الله- مجموعة من الصفات و الأفكار المشتركة تجعلهم –فى تقديرى – يمثلون نخبة من المثقفين الإسلاميين المتحضرين الذين إذا أدلوا بدلوهم فى موضوع، لا ترى أو تسمع إلا أفكاراً متزنة وعقلانية وآراءاً رصينة تنم عن سعة الإطلاع وتنوع المعارف ودقة التحليل والبعد عن الأهواء .
بدأ سليم العوا حديثه عن ضرورة اللقاء والتفاهم بين التيار القومى-العروبى الناصرى – من جهة، والتيار الإسلامى من جهة اخرى، بإعتبارهما – على حد قوله- التياران الرئيسان اللذان يتمتعان بقواعد شعبية وفكرية هامة و أنهما الجناحان اللازمان لتحقيق أى نهضة فى مصر والأمة العربية ، و أضاف أن المطلب الاول والقضية الجديرة بالمرتبة الأولى فى أولويات العمل والتى يجب ان يجتمع عليها التياران هى قضية الديموقراطية .
بعد هذه المقدمة تصورت أنه سيتعرض لموضوع المؤتمر المعلن وهو ثورة 23 يوليو ، ولكن كانت المفاجأة السعيدة أن الرجل آثر تجنب الكثير من المسائل الخلافية والتى يتقاتل حولها كثير من المثقفين العرب و أعلن أنه يرى أن من أهم القضايا التى تستحق الإهتمام فى هذه المناسبة قضية اللغـــــــة العربـيــــــة .
بالطبع ناقش الدكتور العوا حال اللغة العربية، وما لحقها من تدهور، و ما آل إليه حال الشباب من جهل شديد بلغتهم، و إنتشار اللهجات العامية، والتى لعدم وجود قواعد تضبطها، يصعب التفاهم بها بل ويصعب فهم المقصود من كثير من تعبيراتها، و ما يترتب على إستخدامها من تعميق الحواجز والفواصل بين الشعوب العربية من جهة والإنسلاخ عن التراث العربى القديم من جهة أخرى.
إنتهى التعليق على كلام الدكتور سليم العوا.
كنت منذ فترة، ربما عامين أو أكثر ، قد سجلت بعض خواطرى بخصوص موضوع اللغة العربية ، والذى أوقن أنه فى غاية الأهمية لمن كانت تشغله مسألة الحفاظ على الهوية القومية ، وكذلك مسألة البعد الإسلامى للموضوع من حيث إرتباط النصوص الإسلامية – القرآن والسنة – باللغة العربية وإستحالة تصور إمكانية المحافظة على التراث الإسلامى الحضارى الكبير مع وجود تلك الحالة المؤلمة من الضعف و التحلل وعدم إكتراث أولياء الأمر باللغة العربية.
شجعنى خطاب الدكتور العوا على إستعادة تلك الخواطر و التى أوردها ها هنا .
—————————————————————————-
“ إن لم نستطع أن ندافع عن لغتنا ، الكيان ، الأصل ، فلن نستطع أن ندافع عن أرضنا ولا عن كرامتنا مهما إمتلكنا من أسلحه أو بترول أو اموال ” الدكتور يحيى الرخاوى .
مشكلة اللغة العربية فى مصر تختلف عن معظم الدول العربية الأخرى:
للأسف إرتبط تاريخ مصر الحديث بالتقليل من شأن اللغة العربية و الإعلاء من شأن اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية ثم حديثاً الإنجليزية، بإعتبار هذه اللغات الأجنبية هى لغات الحضارة والتقدم والعلوم الحديثة.
وساعد على هذا الإتجاه إنتشار المدارس الفرنسية التى جاءت بها البعثات التبشيرية مثل “الجزويت” و “السكركير” و “الميرديديه”…وغيرها والتى أصبحت فى النصف الاول من القرن العشرين قبلة أبناء الطبقة الراقية والذين أصبحوا يترفعون على التعليم العربى التقليدى ويتفاخرون بإتقان الفرنسية و إستخدامها فى التخاطب فيما بينهم…بل وأصبحوا يتندرون بمن يتكلم العربية ويعتبرون أن ذلك ليس من صفات الأرستقراطية الحقة و أن العربية ما هى إلا لغة العامة والفلاحين …ولنا أن نتصور أمة ، حاكمها – الملك فؤاد الاول- لا يجيد لغتها القومية ..!
وعندما قامت ثورة 1952 بدأ المد ينعكس . رفعت شعارات العزة والكرامة الوطنية وتعاظم الإتجاه إلى إحترام كل ما هو عربى – وعلى رأسه اللغة- و و ضعت قواعد لتنظيم التعليم فى المدارس سواءاً الحكومية أو الأجنبية وكان منها إلزام جميع المدارس بالإهتمام بتعليم اللغة العربية فى جميع مراحلها .*(إرجع إلى مقال الأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل على – مجلة الهلال سبتمبر 2007 )
ولكن…وللأسف الشديد فإن هذا الإتجاه لم يكتب له الإستمرار طويلاً…
فقد بدأ يحدث تحول كبير فى مرحلة السبعينات… و أخذت العشوائية والفوضى تدب فى التعليم – شأن جميع نواحى الحياة فى مصر – و أخذ التعليم فى التردى تدريجياً حتى وصل إلى مرحلة الإنهيار الكامل التى نراها عليه اليوم .
وقد شمل ذلك الإنهيار، جميع أنواع ومراحل التعليم بلا إستثناء. وكان أن اصاب اللغة ما أصابها لدرجة أن خريجى الأزهر أصبحوا لا يجيدون اللغة العربية –إلا قليل- ولا يحسنون نطقها ولا يهتمون بها وهم المفروض أن يكونوا العين الساهرة على اللغة بما حفظوا من القرآن وكتب الفقه والشريعة.
لذا فإننى ازعم أن التعليم هو جوهر المشكلة ولب المسألة .
وهناك فى تقديرى قاعدة قد لا يوجد لها إستثناء:
” لا توجد أمة متحضرة أو شبه متحضرة أو تسعى للتحضر لا تحترم لغتها القومية وتحافظ عليها وتحرص على أن يجيد شعبها بصفة عامة، ومثقفيها ونخبها بصفة خاصة، هذه اللغة ، وعلى ان تكون هذه اللغة هى وسيلة التعامل و التخاطب والكتابة و التعليم وجميع المعاملات الرسمية ….الخ”
علينا أن ننظر حولنا – خاصة و أننا مولعون بتقليد الآخرين و الإقتداء بهم- فلننظر إلى الأمم التى تستحق النظر إليها و لنرى أى مكان تحتله اللغة فى قائمة إهتماماتها خاصة عندما يتطرق الأمر إلى مناهج التعليم على كل المستويات.
اليابان.. الصين.. ألمانيا وفرنسا و إنجلترا وكل دول أوروبا.. روسيا.. تركيا…الولايات المتحدة وكندا.
و أضيف – للأسف الشديد- إلى هذه الدول إسرائيل !
فى جميع هذه الدول يتم التعليم والدراسة بجميع مراحلها باللغة القومية للبلد.
فى عبارة لأديب إيطالى
(ضع شعباً فى السلاسل ، جردهم من ملابسهم، سد أفواههم ، لكنهم مازالوا أحراراً .
خذ منهم اعمالهم ، وجوازات سفرهم، والموائد التى يأكلون عليها والأسرة التى ينامون عليها لكنهم ما زالوا اغنياءاً .
إن الشعب يفتقر ويستعبد عندما يسلب اللسان الذى تركه له الأجداد …يضيع إذاً إلى الأبد !) “
هنا فليسح لى القارىء بطرح عدد من التساؤلات :
- هل نحن مدركون لخطورة و أهمية اللغة أم أن معظمنا يعتبرها موضوعاً ثانوياً ولا يستحق الإهتمام ؟
2. هل نظامنا التعليمى(بجميع أنواعه) يضع اللغة فى ترتيب الأولويات بالشكل الصحيح والمتبع فى دول العالم المتحضر ؟
3. هل التعليم عندنا فى مصر لا زال كائناً ينبض بالحياة وقابل للعلاج والرعاية ، أم أنه قد وافاه الأجل ، وواجبنا أن أن نسرع فى مواراته الثرى وندعو الله أن يتغمده فى فسيح جنات
4. هل مشكلة اللغة العربية موجودة بنفس الحدة فى الدول العربية كما هى فى مصر؟ أم أن مصر مثقلة بأعباء تاريخها الحديث والذى عانى- وما زال- من هجمات الثقافات الأجنبية وعقد الخواجات وجهل الحكام واولى الأمر ؟
5. كيف يمكن تصور أن تنال اللغة العربية حظها من الإهتمام مع وجود نخب حظها منها متواضع للغاية. هذه النخب بيدها مقاليد الأمور ، فى معظم المجالات…سياسة…تعليم.. وإعلام… وثقافة.. مال وأعمال …وحتى من رجال الدين!!! هؤلاء يضيقون باللغة العربية لأنهم يجهلونها، والإنسان عدو ما يجهل…؟
6. هل الإهتمام باللغة يتصادم مع ما يسمى بالعولمة ؟ وهل إتصالنا بالحضارات الأخرى و إهتمامنا بالعلوم الحديثة وتكنولوجيا العصر وثورة المعلومات والإتصالات …الخ لا يتفق مع الإهتمام باللغة العربية ؟
7. هل أسلوب تدريس اللغة العربية يحتاج لإعادة نظر؟ هل مناهج اللغة العربية الحالية تدفع الأطفال والشباب لكراهية اللغة العربية والنفور منها ؟
ولنعتبر هذا بحثاً نظرياً بصرف النظر عن إتفاقنا أو عدمه على أن التعليم قد هلك وقضى أمره وإنا لله وإنا إليه راجعون .
آمل، أن تحظى هذه التساؤلات ببعض الإهتمام و التأمل و التعليق.