طنطاوى و الذين معه

غير مصنف

وقف فى وسط كوكبة من الشخصيات الهامة….وزراء …قادة
عسكريين ….إعلاميين، و  راح يتكلم بأسلوب
يذكرنا بالرئيس المخلوع . أخذ يشير بأصبعه السبابة  محذراً و منذراً و لم يفته أن يذكرنا بموقفه
النبيل هو و رجاله  لأنهم لم يفتحوا
النيران على جموع الثائرين و دعاهم أن ينظروا و يتأملوا ما يفعل “اللى
حوالينا” على حد تعبيره، ثم   تدارك بسرعة مؤكداً أن أحداً لم يطلب منه ذلك ، وهو
ما يتسق بطبيعة الحال مع ما شهد به منذ أيام أمام المحكمة .

http://www.youtube.com/watch?v=dolxZcpql7Y&feature=related

أكد الرجل فى ثلاثية ملفتة  أنه و رجاله “صابرين
..صابرين…صابرين”… على ما يحدث من الشعب الذى ما فتأ يسبب لهم الإزعاج و
وينغص عليهم شيخوختهم  بمطالبه و إصراره
على أنه قام بثورة كبرى و لكنه يردد أن النظام بقى كما هو بكل عيوبه و مثالبه .

الطنطاوى و الذين معه فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة
فقدوا الكثير من الشعبية التى كانوا يتمتعون بها وقت أن إنتهت أحداث ثورة 25 يناير
بتنحى حسنى مبارك و تسلمهم حكم البلاد فى 11 فبراير الماضى. شهدت الفترة منذ أوائل
فبراير  أحداثاً كثيرة و تطورات بالغة
الأهمية ولكن جمعها خيط واحد . فشل المجلس الاعلى فى إدارة البلاد فشلاً ذريعاً
أدى إلى حالة من الفوضى و التخبط و الإحساس العام بفقد الأمن و عدم الثقة فى
المستقبل.

بدأ المجلس حالة التناقض مع الثورة بالتمسك بحكومة أحمد
شفيق – حكومة حسنى مبارك الأخيرة- حتى أوائل شهر مارس 2011،  بالرغم من أنه كان من الواضح  أن الاغلبية العظمى من المصريين كانت حانقة
عليها لأنها ضمت  وجوها كئيبة تنتمى إلى
عصر ثاروا عليه، كما إعتبرها الكثيرون متواطئة مع  الحادثة الهمجية  التى عرفت بواقعة الجمل و التى تسببت فى وقوع
عدد كبير من الضحايا و المصابين .

وعندما بدأت الثورة تشتعل مرة ثانية مطالبة بتغيير حكومة
العهد البائد، جاءوا بحكومة عصام شرف وقيل أن هذا ترشيح الثائرين و أنها أتت من
ميدان التحرير.  ثم أثبتت الأيام أنها
حكومة ضعيفة للغاية وأن رئيسها رجل لا يصلح لإدارة أى شىء ناهيك عن بلد فى ظروف
مصر الثورة. كان من الواضح أن تلك الحكومة الضعيفة تلاقى قبولاً عند المجلس الحاكم
لانه يسهل قيادها والتحكم فيها.

أخذ الناس يتساءلون و قد تملكتهم الدهشة عن السبب فى  التلكؤ و المماطلة الغير مبررة فى تقديم مبارك و
أولاده و رجاله المقربين للمحاكمة ، بل وحتى عدم أخذ أى إجراء مقيد لحرياتهم لفترة
طويلة ، لدرجة شجعت بعضهم على الظهور فى وسائل الإعلام ، وقيام الرئيس السابق
بإصدار بيان هدد فيه بمقاضاة الذين إتهموه بالفساد ، وظهر زكريا عزمى فى برنامج
آخر ليعلن أن المجلس العسكرى طلب منه الإستمرار فى عمله !

ثم  قرر المجلس
إجراء تعديلات دستورية على الدستور القديم ، وشكلت لجنة لإعداد تلك التعديلات وكان
للبعض تحفظات عليها.  أجرى الإستفتاء فى 19
مارس و فازت التعديلات بموافقة أغلبية كبيرة.   ولكن
فوجىء الناس بعد أيام قليلة بأن المجلس يطلع عليهم  فى 30 مارس بإعلان دستورى يتضمن عدداً كبيراً من
المواد و التى لم يستفتوا عليها مما جعل عملية الإستفتاء السابقة غير ذات معنى ولم
يكن لها مبرراً منطقياً طالما أن المجلس يعطى نفسه الحق فى فرض مواد دستورية بدون
إستفتاء.

كان من أكثر الموضوعات حساسية و إثارة للإستياء لدى
جموع الشعب ، ما حدث فى إدارة ملف شهداء و جرحى الثورة و الذين بلغ عددهم حوالى
850 شهيداً  وما يزيد عن ستة آلاف مصاب.

تفاءل المصريون كثيراً عندما إنبرى اللواء الفنجرى
بتأدية التحية لشهداء الثورة فى بيانه الشهير أثناء الأحداث. ولكن ما حدث بعد ذلك
من طريقة التعامل مع الموضوع  كان شيئاً
بالغ السوء. إهمال أسر الشهداء و عدم تقديم التعويضات المناسبة لهم  ولم يلتفت إليهم إلا بعد أن  جأرت الأصوات بالشكوى فى وسائل الإعلام .حدث أيضاً
تجاهل غريب للمصابين و تقصير واضح فى تقديم العلاج والرعاية الطبية اللازمة لهم،
ما دفع أصحاب النوايا الطيبة و فاعلى الخير إلى محاولة تقديم يد العون و المساعدة
لهؤلاء المساكين الذين أصيب الكثيرون منهم إصابات خطيرة بالرش و الرصاص الحى و
المطاطى و نتيجة الصدمات البشعة التى تلقوها من سيارات الشرطة المصفحة و ضربات
جنود الأمن المركزى و قطع الرخام  و الحديد
التى إنهالت عليهم من بلطجية النظام.

وبدلاً من تكريم هؤلاء الأبطال و حملهم على الرؤوس  الأعناق ، و توفير كل ما يحتاجون من علاج على
نفقة الدولة، سمعنا بما يتكبدون من مشقة ، و طلبت بعض المستشفيات منهم المغادرة
دون إستكمال علاجهم ، و صيحات الإستغاثة تتعالى من الآخرين الذين حاولوا السفر
للعلاج فى الخارج و نفذت أموالهم و أخذوا يستنجدون طالبين المساعدة .

وكل ماسبق يمكن فهمه فى سياق الإهمال و الجهل وسوء
الإدارة.  و لكن الأمر الذى كان و لم يزل
يكلل بالعار كل من شارك فيه أو سمح به، كان هو طريقة التعامل مع المتهمين فى قضايا
قتل و إصابة الثوار. السماح للضباط المتهمين بالجرائم بالإستمرار فى ممارسة
أعمالهم ، و السكوت عن محاولات بعضهم التعرض لأسر الشهداء و المصابين بالتهديد و
التأثير عليهم لتغيير شهاداتهم. و عندما فاحت رائحة التواطىء  كان قصارى ما إتخذته وزارة الداخلية – الغارقة
فى الفساد – نقل هؤلاء الضباط من أعمالهم إلى وظائف إدارية . ولازلنا نذكر عندما
طلع علينا  عصام شرف بعد إحدى المليونيات
الضخمة محاولاً إحتواء الغضب الشعبى العارم- و قد بدا كما لو كان قد بال فى
سرواله- و أعلن أنه سيوقف جميع ضباط الداخلية المتهمين فى قضايا الإعتداء على
المتظاهرين عن العمل ، و بعد ساعات أعلن وزير الداخلية أن ذلك أمراً غير قانونى و
أنه لن يسمح به !

ولم يحدث أى شىء لأى من الرجلين و كأنه من الطبيعى أن
يصدر رئيس الوزراء قراراً ، و أن ينقضه وزير داخليته و يعيش الجميع بعد ذلك فى جو
ملؤه الحب و السعادة و التفاهم !

خالد سعيد… أيقونة الثورة…  ذلك الشاب النبيل الذى قتله بلطجية النظام
السابق بطريقة وحشية ، و لم يكتفوا بذلك ولكن راحوا يلفقون له الإتهامات الدنيئة
لتويث سمعته و النيل منه لتبرئة ساحة المجرمين الذين إرتكبوا تلك الجريمة الشنعاء،
و كأنما  يضيفون الإهانة إلى الجرح ، كما
يقال فى الأدبيات العالمية.

لم يكن أحد ليتصور
أن تستمر قضية المتهمين بقتل خالد سعيد منظورة  حتى ساعة كتابة هذه الكلمات. ولو كان من يحكم
البلاد يفهم و يدرك و على درجة من الوعى بقيمة ومعنى ما حدث ، لكنا سمعنا عن أحكام
رادعة تصدر لتدين مرتكبى جريمة قتل خال سعيد بعد أيام من خلع مبارك.

لم تكد تمر أسابيع قليلة على إسقاط حسنى مبارك ، و
أصداء الثورة المصرية لاتزال تتردد فى كل مكان ، و عبارات الدهشة و الإعجاب تتوالى
على ألسنة زعماء العالم ، حتى بدأت قصص تجاوزات و إنتهاكات الشرطة العسكرية و
القوات المسلحة تتواتر بشكل مذهل. تعذيب لشباب الثورة  …إنتهاكات لحقوق الإنسان و إستباحة لحرمة
الفتيات اللائى تعرضن لجريمة كشف العذرية …إستخدام العنف  و الوسائل غير المشروعة لفض الإعتصامات بما فى
ذلك الصعق بالكهرباء و ابشع وسائل القمع . وقد رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق
الإنسان آيفكس عددا كبيراً من الإنتهاكات و التجاوزات و التى يصعب تصور أنها تحدث
دون علم المجلس العسكرى .

http://www.ifex.org/egypt/2011/10/04/activists_detained/ar/

ومن المحزن أن يكون كل ذلك العنف و البطش  مع شباب الثورة و الناشطين السياسيين الشرفاء فى
نفس الوقت الذى يتاح لجماعات مشبوهة وأجيرة مثل تلك أطلقت على نفسها “أولاد
مبارك” و إحنا آسفين ياريس ” أن تمارس نشاطها بحرية و ألا يقف بها الأمر
عند مجرد الظهور فى ميدان مصطفى محمود و لكن وصل بها الحال أن تمارس الإرهاب و
العنف فى ساحات يتواجد بها حضور أمنى كثيف من الشرطة و القوات المسلحة كما شاهدنا
أمام  أكاديمية الشرطة فى جلسات محاكمة
الرئيس السابق.

ولعل
أكثر ما يقض مضاجع غالبية المصريين هو ذلك الفشل الغريب فى التعامل مع مشكلة  إعادة الأمن إلى الشارع المصرى. ومن غرائب
الطبيعة ، هو ذلك المشهد الذى راح يتكرر
كلما حدثت مشكلة أو فتنة ما .

وهو
ظهور فئة من المخربين و المجرمين و الذين أحياناً ما يكونون مسلحين بالأسلحة
البيضاء أو قنابل المولوتوف الحارقة أو بالحجارة و العصى ، و الذين يأتون بأعمال
مريبة غالباً ما تكون موجهة للمتظاهرين أو المعتصمين(كما حدث فى العباسية) أو
لتأجيج نار فتنة طائفية أو الإعتداء على سفارة إسرائيل…وعادة ما يقال أن البلطجية
و الفلول وراءها …و أصبح هؤلاء كالأشباح الذين نسمع عنهم و نراهم  و لكن لا نستطيع أن نحدد هوياتهم.  و بالتأكيد لا أحد يقبض عليهم و يقدمهم للعدالة.
وبقى التفسير الوحيد لنشاط هؤلاء البلطجية الجماعى فى المناسبات الهامة هو أنه إمتداد
لنشاطهم السابق من قبل جهاز أمن الدولة و الذى كان قد علا نجمه كثيراً فى السنوات
الاخيرة بعد أن باتوا – على ما يبدو- ذراع هام من أذرعة البطش التى كان يستخدمها
النظام السابق لضرب معارضيه و إرهابهم مع إدعاء برائته من الجرائم التى يرتكبونها
فى وضح النهار. وقد شوهدت تلك الظاهرة كثيراً فى المعارك  الإنتخابية و غيرها بل ووصلت إلى حد دخول
الجامعات و الإعتداء على الطلبة و الأساتذة المعارضين. وبالتأكيد كان هذا الأسلوب
هو أحد الأساليب المحببة لنفوس رجال مبارك حيث ظهر جلياً فيما سمى “بموقعة
الجمل ” و الأربع و عشرين ساعة التى تلتها عندما كنا نشاهد جيشاً من المدنيين
يهاجم الثوار فى ميدان التحرير و يقذفونهم بانواع مختلفة من المواد القادرة على
إحداث أخطر الإصابات مثل قطع الرخام و قطع تيل الفرامل ، و التى تسببت بالفعل فى
عدد كبير من الإصابات الخطيرة . (نفس الظاهرة تكررت أول أمس فى حادث الإعتداء على
التظاهرة القبطية الأخيرة).

فى كثير من المناسبات شعرت كما شعر الكثيرون أن طنطاوى
و الذين معه اشداءٌ على الثوار ، رحماءٌ بالفاسدين و المفسدين و أعوان النظام السابق
.

  • شعرت كما شعر الكثيرون بأن طنطاوى و الذين معه لا ينتمون لثورة
    يناير العظيمة بقلوبهم و عواطفهم بل أنهم جزء من النظام السابق ، يهمهم المحافظة
    على ما بقى منه ، و يحرصون على دعم أجهزته الفاسدة و مستعدين للتغاضى عن جرائمه و
    جرائم من لا يزالون يمارسون أعمالهم “كالمعتاد” و كأن لا ثورة قامت و لا
    نظام سقط.

وقد ذهب بعض الخبثاء و المشككين إلى تبنى نظرية مثيرة للجدل،
ولكنها قد تبدو فى ظل الأحداث و المشاهد المتوالية ، جديرة بالإهتمام. تقول تلك
النظرية الخبيثة أن  أناساً تعايشوا مع النظام الفاسد لزمن طويل ، ولم
يغضبوا لشىء سوى ما يمس مصلحتهم المباشرة (مثل  تململهم من فكرة التوريث لأن
الوريث ليس منهم ) ، من الطبيعى أن كبارهم لابد و أن يكونوا قد حققوا مزايا
كبيرة فى ظل الفساد الذى ساد.  لا يستبعد أن يكون هؤلاء  قد
“نالهم من الحب جانب”و إرتبطوا بمصالح كثيرة مع المصريين و
الأجانب .  إذن فإن تعرية النظام السابق و ظهور ما إرتكبه من مصائب
،  قد يؤدى إلى كثير من الفضائح و هو أمر غير صائب.

على أية حال فهذه ظنون  تبعث على الغم ، نستعيذ بالله
منها، وإن بعض الظن إثم.

 

 

 

تم إغلاق التعليقات.

أشـرف عاشــــــور © 2024