دخلت مكتبى اليوم متأخراً بسبب إنشغالى فى أنشطة خارجية فترة الصباح. فتحت الإيميل فوجدت رسالتين من اللجنة العليا للإنتخابات . الرسالتان لنفس الموضوع و لكنهما موجهتان لشخصين إحداهما بإسمى و الثانية بإسم نبيل أحمدى إمام أحمد . نبيل هو فراش المكتب و هو شاب يعمل عندى منذ حوالى 20 عاماً. لا يقرأ و لا يكتب.
الرسائل فيها روابط لصفحتين . الأولى لإستمارة الإستفتاء و الثانية بها بيانات للتوقيع عليها و إرفاقها مع إستمارة التصويت.
طبعت الأوراق اللازمة ، صوتت “غير موافق”، و أعددت مظروفى للإرسال .
إستدعيت نبيل . شرحت له الموضوع و أفهمته أن الرسالة الخاصة به وصلتنى لأنى كنت قد سجلت بياناته فى إنتخابات الرئاسة ووضعت بريدى الإلكترونى للمراسلة لأنه لم يكن هناك حل آخر، فى حالته، بسبب مشكلة الأمية .
كما حدث فى المرة الماضية – فى إنتخابات الرئاسة- بدت على نبيل سعادة غامرة إذ يشعر بأنه يدلى بصوته مثله مثل أى مصرى و أن له رأى و كلمة كمواطن. والحقيقة فإن سعادته تنتقل إلى لشعورى بأنى أساعده فى ذلك.
ثم تأتى اللحظة الحرجة و التى عشتها معه المرة الماضية أيضاً فى الإنتخابات الرئاسية عندما يكون عليه تحديد إختياره . أولاً سألته للتأكد أنه يفهم عما نتكلم. الموافقة أو رفض الدستور المقترح. صدرت منه بشكل تلقائى عبارة “مش موافق” . راجعته للتأكد أنه يعنى ما يقول. إبتسم إبتسامة كبيرة و ربما ضحك وهو يقول “إنت قلت إيه يا باشمهندس ؟ ” أجبته ، يا نبيل لن أقول لك “قلت إيه” إلا بعد أن تحدد إختيارك و نقفل الأظرف لأنى أعتبر نفسى مسئولاً أمام الله أن آخذ شهادتك النابعة من ضميرك و أكتبها و لا أقبل أن تتحول المسألة إلى “…نعمل زى الباشمهندس… و أكيد هو عارف بيعمل إيه”.
المرة الماضية فى الإنتخابات الرئاسية – المرحلة الأولى- اتعبنى قبل أن أعرف إسم مرشحه ! لم يكن متأكداً من الإسم و دخلنا فى حوار طويل عن شكل المرشح الذى يريده بالرغم من أنه – من مشاهدة قنوات التليفزيون- كان يعرف جميع المرشحين جيداً و لكن كان من الواضح أنه يعانى من مشكلة ربط الشكل بالإسم . فى البداية شعرت أنه يقصد عبد المنعم ابو الفتوح و فعلاً وضعت له علامة أمام إسمه ، و لكن قبل إغلاق الأظرف إستدرك و صاح بى طالباً تغيير المرشح لأنه فى الحقيقة يريد حمدين صباحى. وفعلاً ألغيت ورقة الإنتخاب الأولى و طبعت أخرى و علت الفرحة وجهه كما لو أنه حقق شيئاً هاماً و خرج منتصراً من تلك المعركة.
بالتأكيد لم أفترض أنه يعرف شيئاً يذكر عن تفاصيل مواد الدستور و العيوب التى قد أراها أنا أو من هم على درجة من التعليم تسمح لهم بذلك. و لكنى سألته ” ليه مش موافق ؟ ” فقال لأنى شايف ظلم كثير قوى يا باشمهندس” . قلت له يعنى متأكد إنك مش موافق ؟ فتردد بعض الشىء و طلب أن أعطيه الورقة على أن يعيدها لى بعد فترة. لم أرتح لهذا الطلب لأنه ما كان ليُسمح به لو أنه ذهب للتصويت فى لجنة إنتخابية من جهة، و من جهة أخرى فإن الشىء الوحيد الذى يمكن أن يفعله هو أنه سيأخذها و يعرضها على شخص آخر و يطلب مشورته و لم أكن واثقاً أن الآخرين سوف يأخذون الموضوع بجدية و فى الأغلب فإن من سيسأله سوف يشير عليه بالتصويت كما فعل هو .
قلت له “يا نبيل عاوزين نخلص و نبعث الأظرف فوراً للقنصلية و أرجوك تقول لى إختيارك” قال فى حسم “مش موافق” .
قلت له على خيرة الله ، و أنهيت إعداد الأوراق ، و قلت له و أنا أغلق الأظرف ” انا كمان قلت مش موافق زيك” فإبتسم ضاحكاً و خرج وهو فى غاية السعادة.
الخاطر الذى إستولى عل تفكيرى بعد هذه التجربة هو أن هناك الملايين مثل نبيل داخل مصر و مطلوب منهم إعطاء أصواتهم ، فهل سيجدون من يتأكد من أنهم يعطون أصواتهم بالشكل الصحيح و الذى يعبر فعلاً عن رغباتهم ؟
إن مصير أمتنا قد يتوقف على تصويت هؤلاء.